فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والله تعالى أوجب متابعته، فوجب العمل بعموم القرآن ولما وجب العمل به امتنع العمل بالقياس، وإلا لزم التناقض.
فإن قالوا: لما ورد الأمر بالقياس في القرآن.
وهو قوله: {فاعتبروا} [الحشر: 2] كان العمل بالقياس عملًا بما أنزل الله.
قلنا: هب أنه كذلك إلا أنا نقول: الآية الدالة على وجوب العمل بالقياس إنما تدل على الحكم المثبت بالقياس، لا ابتداء بل بواسطة ذلك القياس.
وأما عموم القرآن، فإنه يدل على ثبوت ذلك الحكم ابتداء لا بواسطة، ولما وقع التعارض كان الذي دل عليه ما أنزله الله ابتداء أولى بالرعاية من الحكم الذي دل عليه ما أنزله الله بواسطة شيء آخر، فكان الترجيح من جانبنا. والله أعلم.
المسألة الثانية:
قوله تعالى: {وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء} قالوا معناه ولا تتولوا من دونه أولياء من شياطين الجن والإنس فيحملوكم على عبادة الأوثان والأهواء والبدع.
ولقائل أن يقول: الآية تدل على أن المتبوع إما أن يكون هو الشيء الذي أنزله الله تعالى أو غيره.
أما الأول: فهو الذي أمر الله باتباعه.
وأما الثاني: فهو الذي نهى الله عن اتباعه، فكان المعنى أن كل ما يغاير الحكم الذي أنزله الله تعالى فإنه لا يجوز إتباعه.
إذا ثبت هذا فنقول: إن نفاة القياس تمسكوا به في نفي القياس.
فقالوا الآية تدل على أنه لا يجوز متابعة غير ما أنزل الله تعالى والعمل بالقياس متابعة لغير ما أنزله الله تعالى، فوجب أن لا يجوز.
فإن قالوا: لما دل قوله فاعتبروا على العمل بالقياس كان العمل بالقياس عملًا بما أنزله الله تعالى أجيب عنه بأن العمل بالقياس، لو كان عملًا بما أنزله الله تعالى، لكان تارك العمل بمقتضى القياس كافرًا لقوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله فأولئك هُمُ الكافرون} [المائدة: 44] وحيث أجمعت الأمة على عدم التكفير علمنا أن العمل بحكم القياس ليس عملًا بما أنزله الله تعالى، وحينئذ يتم الدليل.
وأجاب عنه مثبتو القياس: بأن كون القياس حجة ثبت بإجماع الصحابة والإجماع دليل قاطع وما ذكرتموه تمسك بظاهر العموم، وهو دليل مظنون والقاطع أولى من المظنون.
وأجاب: الأولون بأنكم أثبتم أن الإجماع حجة بعموم قوله: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤمنين} [النساء: 115] وعموم قوله: {وكذلك جعلناكم أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] وعموم قوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بالمعروف وَتَنْهَوْنَ عَنِ المنكر} [آل عمران: 110] وبعموم قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تجتمع أمتي على الضلالة» وعلى هذا فإثبات كون الإجماع حجة، فرع عن التمسك بالعمومات، والفرع لا يكون أقوى من الأصل.
فأجاب مثبتو القياس: بأن الآيات والأحاديث والإجماع لما تعاضدت في أثبات القياس قويت القوة وحصل الترجيح. والله أعلم.
المسألة الثالثة:
الحشوية الذين ينكرون النظر العقلي والبراهين العقلية، تمسكوا بهذه الآية وهو بعيد لأن العلم بكون القرآن حجة موقوف على صحة التمسك بالدلائل العقلية، فلو جعلنا القرآن طاعنًا في صحة الدلائل العقلية لزم التناقض وهو باطل.
المسألة الرابعة:
قرأ ابن عامر {قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62] بالياء تارة والتاء أخرى.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم بالتاء وتخفيف الذال، والباقون بالتاء وتشديد الذال.
قال الواحدي رحمه الله: تذكرون أصله تتذكرون فأدغم تاء تفعل في الذال لأن التاء مهموسة، والذال مجهورة والمجهور أزيد صوتًا من المهموس، فحسن إدغام الأنقص في الأزيد، وما موصولة بالفعل وهي معه بمنزلة المصدر.
فالمعنى: قليلًا تذكركم، وأما قراءة ابن عامر {يَتَذَكَّرُونَ} بياء وتاء فوجهها أن هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي قليلًا ما يتذكر هؤلاء الذين ذكروا بهذا الخطاب، وأما قراءة حمزة والكسائي وحفص، خفيفة الذال شديدة الكاف، فقد حذفوا التاء التي أدغمها الأولون، وذلك حسن لاجتماع ثلاثة أحرف متقاربة والله أعلم.
قال صاحب الكشاف: وقرأ مالك بن دينار ولا تبتغوا من الابتغاء من قوله تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا} [آل عمران: 85]. اهـ.

.قال السمرقندي:

{اتبعوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ} أي صدقوا، واعملُوا بما أنزل على نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن ويقرؤوه عليكم {وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء} أي: ولا تتّخذوا من دون الله أربابًا، ولا تعبدوا غيره.
ثم أخبر عنهم فقال: {قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} ما: صلة في الكلام ومعناه: قليلًا تتعظون.
يعني: إنهم لا يتعظون به شيئًا.
قرأ ابن عامر {يَتَذَكَّرُونَ} على لفظ المغايبة بالياء.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر {تَذَكَّرُونَ} بالتاء على معنى المخاطبة بتشديد الذال والكاف لأن أصله تتذكرون فأدغم إحدى التاءين في الذال.
وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص تَذَكَّرون بتخفيف الذال، فأسقط التشديد للتخفيف. اهـ.

.قال الثعلبي:

{اتبعوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ} أي قل لهم: اتبعوا ولا تتبعوا من دونه أولياء.
قرأ العامّة بالعين من الاتباع، وروى عاصم الجحدري عن أبي الشيخ ومالك بن دينار {ولا تبتغوا} بالغين المعجمة أي لا تطلبوا {قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ}. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم} الآية، قال الطبري وحكاه: التقدير قل اتبعوا فحذف القول لدلالة الإنذار المتقدم الذكر عليه، وقالت قوله اتبعوا أمر يعم النبي صلى الله عليه وسلم وأمته.
قال القاضي أبو محمد: والظاهر أن يكون أمرًا لجميع الناس أي اتبعوا ملة الإسلام والقرآن، وقرأ الجحدري {ابتغوا ما أنزل}، من الابتغاء، وقرأ مجاهد {ولا تبتغوا} من الابتغاء أيضًا، وقوله: {أولياء} يريد كل ما عبد واتبع من دون الهل كالأصنام والأحبار والكهان والنار والكواكب وغير ذلك، والضمير في قوله: {من دونه} راجع على {ربكم}، هذا أظهر وجوهه وأبينها، وقيل يعود على قوله: {اتبعوا ما}، وقيل يعود على الكتاب المتقدم الذكر، و{قليلًا} نعت لمصدر نصب بفعل مضمر، وقال مكي هو منصوب بالفعل الذي بعده، قال الفارسي و{ما} في قوله: {ما تذكرون} موصولة بالفعل وهي مصدرية، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر {تذّكّرون} بتشديد الذال والكاف، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في روياة حفص {تَذّكرون} بتخفيف الذال وتشديد الكاف، وقرأ ابن عامر {يتذكرون} بالياء كناية عن غيب، وروي عنه إنه قرأ {تتذكرون} بتاءين على مخاطبة حاضرين. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {اتبعوا ما أُنزل إليكم من ربكم} إن قيل: كيف خاطبه بالإفراد في الآية الأولى، ثم جمع بقوله: {اتبعوا}؟ فعنه ثلاثة أجوبة.
أحدها: أنه لما علم أن الخطاب له ولأمته، حسن الجمع لذلك المعنى.
والثاني: أن الخطاب الأول خاص له؛ والثاني محمول على الإِنذار، والإِنذار في طريق القول، فكأنه قال: لتقول لهم منذرًا: {اتبعوا ما أُنزل إليكم من ربكم}، ذكرهما ابن الانباري.
والثالث: أن الخطاب الثاني للمشركين، ذكره جماعة من المفسرين؛ قال: والذي أنزل إليهم القرآن.
وقال الزجاج: الذي أُنزل: القرآن وما أتى عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه مما أنزل عليه، لقوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7] {ولا تتبعوا من دونه أولياء} أي: لا تتولوا مَنْ عدل عن دين الحق؛ وكلُّ من ارتضى مذهبًا فهو ولي أهل المذهب.
وقوله تعالى: {قليلًا ما تذكرون} ما: زائدة مؤكِّدة؛ والمعنى: قليلًا تتذكرون.
قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم {تذّكّرون} مشددة الذال والكاف.
وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم {تذكّرون} خفيفة الذال مشددة الكاف.
قال أبو علي: من قرأ {تذَّكرون} بالتشديد، أراد {تتذكرون} فأدغم التاء في الذال، وإدغامها فيها حسن، لأن التاء مهموسة، والذال مجهورة؛ والمجهور أزيد صوتًا من المهموس وأقوى؛ فادغام الأنقص في الأزيد حسن.
وأما حمزة ومن وافقه، فانهم حذفوا التاء التي أدغمها هؤلاء، وذلك حسن لاجتماع ثلاثة أحرف متقاربة.
وقرأ ابن عامر: {يتذكرون} بياء وتاء، على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم؛ والمعنى: قليلًا ما يتذكر هؤلاء الذين ذكروا بهذا الخطاب. اهـ.

.قال القرطبي:

{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: {اتبعوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ} يعني الكتاب والسنة.
قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا} [الحشر: 7].
وقالت فرقة: هذا أمر يعمّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأمّته.
والظاهر أنه أمرٌ لجميع الناس دونَه.
أي اتبعوا ملَّة الإسلام والقرآن، وأحِلوا حلالَه وحرِّموا حرامه، وامتثلوا أمره، واجتنبوا نهيه.
ودلّت الآية على ترك اتباع الآراء مع وجود النصِّ.
الثانية: قوله تعالى: {وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} {مِنْ دُونِهِ} من غيره.
والهاء تعود على الرب سبحانه، والمعنى: لا تعبدوا معه غيره، ولا تتخذوا مَن عدلَ عن دين الله ولِيًا.
وكل من رضي مذهبًا فأهل ذلك المذهب أولياؤه.
وروي عن مالك ابن دِينار أنه قرأ {وَلاَ تَبْتَغُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} أي ولا تطلبوا.
ولم ينصرف {أولياء} لأن فيه ألف التأنيث.
وقيل: تعود على ما من قوله: {اتبعوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ}.
{قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} ما زائدة.
وقيل: تكون مع الفعل مصدرًا. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم} أي: قل يا محمد لقومك اتبعوا أيها الناس ما أنزل إليكم من ربكم يعني من القرآن الذي فيه الهدى والنور والبيان.
قال الحسن: يا ابن آدم أمرت باتباع كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم والله ما نزلت آية إلا ويجب أن تعلم فيما أنزلت وما معناها، وبنحو هذا قال الزجاج: أي اتبعوا القرآن وما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فإنه مما أنزل لقوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} ومعنى الآية أن الله تعالى لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإنذار في قوله لتنذر به كان معنى الكلام أنذر القوم {وقل لهم اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم} واتركوا ما أنتم عليه من الكفر والشرك، وقيل: معناه لتنذر به وتذكر به المؤمنين فتقول لهم {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم}، وقيل: هو خطاب للكفار أي اتبعوا أيها المشركون ما أنزل إليكم من ربكم واتركوا ما أنتم عيله من الكفر والشرك ويدل عليه قوله تعالى: {ولا تتبعوا من دونه أولياء} يعني ولا تتخذوا الذين يدعونكم إلى الكفر والشرك فتتبعوهم.
والمعنى: ولا تتولوا من دونه شياطين الإنس والجن فيأمروكم بعبادة الأصنام واتباع البدع والأهواء الفاسدة {قليلًا ما تذكرون} يعني ما تتعظون إلا قليلًا. اهـ.